التغلب على مرض الكبر والغيرة عند الانسان: نهج عملي وروحي

القائمة الرئيسية

الصفحات

التغلب على مرض الكبر والغيرة عند الانسان: نهج عملي وروحي

 

الكبر والغيرة المرض والعلاج
الكبر والغيرة المرض والعلاج


كتب: د. مصطفى بدوى

 الكبر والغيرة المرض الذي يهدم الذات ويفسد حياة الإنسان 

الكبر والغيرة هما من أخطر الأمراض النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تفسد حياة الفرد والمجتمع, ويُعتبر الكبر والغيرة من الصفات السلبية التي تؤثر سلبًا على حياة الأفراد والمجتمعات. فالكبر يعبر عن شعور مبالغ فيه بالذات، بينما الغيرة تنبع من الشعور بعدم الرضا عن النفس مقارنة بالآخرين,  "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَتَكَبَّرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة: 34). سنتناول في هذا المقال مضار هاتين الصفتين وآثارهما على الفرد والمجتمع.وعلى الرغم من أن التخلص منهما ليس بالأمر السهل، إلا أن اتباع نهج عملي وروحي يمكن أن يساعد على التحرر من هذه المشاعر السلبية. في هذا المقال ايضا سنستعرض خطوات فعالة للتغلب على الكبر والغيرة بشكل متعمق.

الاضرار الذى يسببها مرض الكبر

الكبر هو شعور المرء بتفوقه على الآخرين واحتقارهم. ومن أبرز مضاره:
- لانفصال الاجتماعي: حيث يؤدي الكبر إلى النفور من الآخرين، مما يخلق عزلة اجتماعية.
- خسارة الفرص:يُعمي الكبر صاحبه عن تقبل النصيحة أو النقد البناء، مما يمنعه من تطوير نفسه.
- تدهور العلاقات مع الا خرين:يولد الكبر عدم احترام للآخرين، مما يفسد العلاقات الشخصية والمهنية,مثل المدير المتكبر الذي لا يقبل آراء موظفيه يفقد احترامهم، مما يؤدي إلى ضعف الإنتاجية.
- الضياع الروحي والبعد عن الله: يعتبر الكبر من كبائر الذنوب، حيث نهى الدين الإسلامي عن التكبر واعتبره سببًا في هلاك الأمم, مثل إبليس الذي تكبر على السجود لآدم فخسر مكانته عند الله.

امثلة للمتكبرين تاريخيا فى الارض

- فرعون مصر أعلن نفسه إلهًا ورفض الاعتراف بربوبية الله، مما أدى إلى هلاكه غرقًا في البحر,قال تعالى:"فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ" (القصص: 40).
- هتلر (أدولف هتلر):قاد ألمانيا النازية بتكبر وغرور، معتقدًا بتفوق العرق الآري,أدى ذلك إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية ودمار شامل لأوروبا، وانتهى به الحال إلى الانتحار بعد الهزيمة.
- نيرون إمبراطور روما: اشتهر بتكبره وطغيانه، وأحرق روما معتقدًا أن له الحق المطلق في ذلك,انتهى مقتولًا بعد ثورة شعبية ضده.


مرض الكبر
الكبر

الاضرار الذى يسببها مرض الغيرة

الغيرة شعور بالحسد تجاه الآخرين بسبب نجاحهم أو امتلاكهم شيئًا مميزًا. ومن أبرز مضارها:
- التوتر النفسي:يشعر الشخص الغيور بالضيق والاكتئاب المستمر، مما يؤثر على صحته النفسية.
- تعطيل الإنجاز الشخصية :بدلًا من استثمار الوقت في تطوير الذات، ينشغل الشخص الغيور بمراقبة الآخرين.
- العداوة والكراهية:تؤدي الغيرة إلى نشر العداوة بين الأفراد، مما يفسد العلاقات الاجتماعية , ويفسد بيئة العمل , ويهدر الطاقات والوقت فى المشاحنات مما يؤثر سلبا فى تحقيق الاهداف المرجوة
- فقدان الثقة بالنفس:يعيش الشخص الغيور في دائرة من عدم الرضا، مما يضعف ثقته بنفسه

ومن اكبر الامثلة التاريخية لغيرة الانسان من اخيه الانسان والتى ذكرها القرأن

- قابيل وهابيل:شعر قابيل بالغيرة من أخيه هابيل لأن الله تقبل قربانه، مما دفعه إلى قتله، ليصبح أول قاتل في التاريخ,قال تعالى:"فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة: 30).
- يوسف وإخوته:غار إخوة يوسف من محبة أبيهم له، فألقوه في البئر، مما أدى إلى تشتت الأسرة,قال تعالى:"إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا" (يوسف: 8).



الغيرة
الغيرة

طرق التغلب على  مرض الكبر:

1. الوعي الذاتي ومراقبة النفس
التشخيص الذاتى:يجب على الإنسان أن يسأل نفسه بصراحة: "هل أشعر أنني أفضل من الآخرين؟
2- مراقبة الأفكار والسلوك الشخصى :عند ملاحظة أي شعور بالتفوق أو احتقار الآخرين، يجب التوقف ومراجعة السبب وراء هذا الشعور المريض
3-  التواضع كأسلوب حياة
4- التأمل في قدرة الله:إدراك أن كل النعم من الله , مما يساعد على تذليل النفس, قال الله تعالى":يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ (فاطر: 15).
5- ممارسة التواضع في السلوك:كأن يتحدث الإنسان بأدب، ويعامل الآخرين باحترام بغض النظر عن مكانتهم.كان الرسول عليه الصلاة والسلام, يجلس مع أصحابه على الأرض، ويقول:"انَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ"
6- قبول النقد والتعلم:الاعتراف بالخطأ ان الشخص المتواضع يعترف بأخطائه ويتعلم منها,والاستماع إلى الآخرين ,استقبال النقد برحابة صدر، وعدم رفضه بسبب الكبرياء,
7-  تعزيز التقدير للآخرين و مدح الآخرين بصدق,تكلم عنهم  بكلمات طيبة تقديرًا لإنجازاتهم، مما يعزز التواضع ويكسر الأنانية.
8- التعلم من الناجحين:بدلًا من الغيرة منهم، يمكن استخدام نجاحهم كحافز لتحسين الذات.

  طرق علاج مرض الغيرة

1. بناء الثقة بالنفس:
التركيز على الإنجازات الشخصية:سجل النجاحات الصغيرة والكبيرة، مما يعزز الشعور بالإنجاز, وتقبل الذات ان القناعة بقدراتك ومهاراتك الفريدة تجعلك أقل عرضة للغيرة
2. تطوير مهارات التعامل مع النفس:
الرضى عن النفس يمكن تدوين ثلاثة أمور تشعرك بالامتنان تجاهها يوميًا يساعد على التخلص من الشعور بالنقص.
المقارنة الإيجابية:بدلاً من مقارنة نفسك بالآخرين، قارن بين مستواك الآن وماضيك.
3. إدارة الأفكار السلبية:
من خلال التحكم في الأفكار:عند ملاحظة مشاعر الغيرة، استبدل الفكرة السلبية بفكرة إيجابية، مثل:أنا سعيد بنجاحه وسأعمل على تطوير نفسي
التنفس العميق والتأمل:يساعد على تهدئة النفس والتحرر من المشاعر السلبية.
4. تعزيز الروابط الاجتماعية:التعاون بدلاً من التنافس: ان العمل في فريق يساعد على بناء الروح الجماعية بدلاً من الحسد , كما ان التواصل الإيجابي من خلال تهنئة الآخرين على نجاحاتهم بدلاً من الشعور السلبى نحوهم

 البعد الروحي والديني في العلاج

1. الاستعانة بالله: من خلال التوجه إلى الله بالدعاء لتطهير القلب من الغيرة والكبرياء ,"إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ "  (لقمان: 18), "اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ"
2. الصدقة بنية الشفاء من مرض الكبر والغيرة:إخراج الصدقات بنية أن يزيل الله ما في القلب من كبر وحسد.
3. التوبة والاستغفار:الإكثار من الاستغفار يطهر القلب وينقيه من الغيرة والكبرياء,التوبة من التعالي والكبر والعودة إلى الله والتواضع أمامه من أعظم خطوات العلاج,الخليفة عمر بن عبد العزيز كان يقول من أراد أن يكون أكبر من الناس فليكن أصغرهم عند نفسه , عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : كان يرى أن العلم لا يجب أن يولد تكبرًا، بل يدفع للتواضع.

فى الختام:

الكبر والغيرة طريقان نحو الفشل وضياع السعادة فى الدنيا والاخرة, من الضروري أن يتحلى الفرد بالوعي الذاتي والعمل على تحسين شخصيته بدلاً من الانغماس في مشاعر سلبية. بالتواضع والرضا، يمكن للإنسان أن يحيا حياة أكثر سعادة وتوازنًا.الكبر والغيرة أمراض تضعف الروح وتقيد الإنسان في دائرة من السلبية والتوتر. إن علاج هذين المرضين يتطلب التواضع والإيمان بقدرة الله، مع تعزيز الثقة بالنفس والتفاعل الإيجابي مع الآخرين. كما قال تعالى:
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (القصص: 83),ان التحرر من الكبر والغيرة يعني تحقيق السلام الداخلي والسعادة الحقيقية.



















تعليقات

تعليقان (2)
إرسال تعليق

إرسال تعليق

اترك تعليق

التنقل السريع